دلالة الإعجاز العلمي في القرآن على نبوة محمد ﷺ

ملخص: يستعرض هذا المقال أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، مبينًا كيف يحتوي على حقائق علمية لم تكن معروفة في زمن النبي محمد ﷺ، ولم تُكتشف إلا في العصر الحديث. يتناول المقال أمثلة مثل وصف الأمواج الداخلية في البحار، ومراحل تكوين الجنين، والبرزخ بين البحرين. هذه الحقائق العلمية تُثبت أن القرآن الكريم هو وحي من الله العليم الخبير، وتُظهر بوضوح أن النبي محمد ﷺ لم يكن يأتي بهذه المعلومات من تلقاء نفسه، بل كان يتلقى الوحي من الله.

دلالة الإعجاز العلمي في القرآن على نبوة محمد ﷺ

أسئلة المقال:

1) كيف يعد وصف القرآن للأمواج الداخلية في البحار والظلمات في أعماقها دليلًا على إعجازه العلمي؟

2) ما هي التفاصيل الدقيقة التي ذكرها القرآن عن مراحل تكوين الجنين، وكيف أثبت العلم الحديث صحتها؟

3) كيف وصف القرآن ظاهرة البرزخ بين البحرين، وما هي الاكتشافات العلمية الحديثة التي أكدت هذه الظاهرة؟

4) لماذا يعتبر احتواء القرآن على هذه الحقائق العلمية الدقيقة دليلاً على أنه وحي من الله وليس من تأليف البشر؟

5) كيف يمكن للإعجاز العلمي في القرآن أن يكون سببًا في دعوة غير المسلمين للتأمل في صدق الرسالة المحمدية؟

المقدّمة:

هل تساءلت يومًا كيف يمكن لكتاب أُنزل قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا أن يحتوي على معلومات علمية لم يكتشفها البشر إلا في العصر الحديث؟ كيف يمكن لرجل أميّ عاش في جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي أن يعرف تفاصيل دقيقة عن الكون والبحار والإنسان، تفاصيل لا يزال العلم يكشف عنها يومًا بعد يوم؟ هذا الكتاب هو القرآن الكريم، وهذه التساؤلات تقودنا إلى أحد أوجه إعجازه: الإعجاز العلمي.

إن القرآن لم ينزل ليكون كتابًا في الكيمياء أو الفيزياء أو الفلك، بل هو كتاب هداية وإصلاح. ومع ذلك، فإنه يزخر بالآيات التي تحمل في طياتها إشارات علمية دقيقة، لا يمكن للعقل البشري أن يتجاهلها. تلك الآيات لم تكن مفهومة تمامًا لأهل ذلك الزمان، لكنها اليوم تُثبت مرة بعد مرة أنها تتوافق مع الاكتشافات العلمية الحديثة.

في هذا المقال، سنستعرض بعضًا من هذه الآيات العلمية ونتأمل في دلالاتها. سنتعرف على كيف أن النبي محمد ﷺ، الذي لم يكن لديه علم بتلك الأمور، قد أتى بهذه الحقائق العلمية الدقيقة. فكيف عرف النبي أن هناك برزخًا بين البحرين؟ وكيف وصف بدقة مراحل تكوين الجنين في بطن أمه؟ وكيف أشار إلى الظلمات في أعماق البحار؟ هذه الأسئلة وأمثالها ستفتح لنا بابًا لفهم جديد لعظمة القرآن ودلالة إعجازه العلمي.

 

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

عند دراسة القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التي تحمل إشارات علمية دقيقة. هذه الإشارات لم تكن معروفة للناس في زمن النبي محمد ﷺ، ولم تُكتشف إلا في العصر الحديث بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي. هذه الحقائق العلمية تُعد من أوجه إعجاز القرآن، وتدل على أنه وحي من الله العليم الخبير. والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا في القرآن، ولكن هذه ثلاثة منها:

 

المثال الأوّل: أمواج البحر والظلمات في أعماقه

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40]. هذه الآية تقدم وصفًا دقيقًا للظلمات في أعماق البحار ولوجود أمواج متراكبة بعضها فوق بعض.

العلم الحديث أثبت هذه الحقائق بوضوح، فالدراسات العلمية كشفت أن هناك أمواجًا تحت سطح البحر تبدأ من عمق حوالي سبعين مترًا، وهذه الأمواج تعلو فوقها أمواج أخرى تصل إلى السطح. بالإضافة إلى ذلك، الظلام في أعماق البحر يصبح دامسًا بعد حوالي ستمائة متر بحيث لا يمكن للإنسان أن يرى يده أمام وجهه. هذه المعلومات العلمية الدقيقة لم تُكتشف إلا مؤخرًا، مما يجعل من غير الممكن أن يكون النبي محمد ﷺ قد علم بها من تلقاء نفسه، بل هي وحي من الله.

في عام 2007، نشرت صحيفة "تلغراف" تقريرًا بعنوان "Deep ocean waves discovered by scientists"[1] حيث ذكر التقرير أن العلماء البريطانيين اكتشفوا أمواجًا تتدفق في أعماق المحيط الهادئ. وقد أوضح التقرير أن هذه الأمواج العميقة لها تأثير كبير على حركة المحيطات وتوزيع الحرارة فيها. هذه الاكتشافات العلمية تدعم بشكل قوي ما جاء في القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام.

النبي محمد ﷺ، الذي عاش في بيئة صحراوية ولم يكن له أي اتصال بالبحر، قدّم وصفًا دقيقًا لهذه الظواهر البحرية. هذا يعزز الاعتقاد بأن هذه المعرفة لم تكن لتأتي إلا من خلال وحي إلهي. فكيف يمكن لشخص أمي عاش في القرن السابع الميلادي أن يقدم هذه التفاصيل العلمية الدقيقة التي لم تُكتشف إلا بأحدث التقنيات العلمية؟

الحقائق التي أوردها القرآن الكريم حول الظلمات في أعماق البحار والأمواج المتراكبة تعد من أبرز الأدلة على الإعجاز العلمي للقرآن. هذه الحقائق تثبت أن القرآن هو كلام الله، وأن النبي محمد ﷺ هو رسول مرسل من عند الله، يتلقى الوحي منه. إن اكتشاف هذه الحقائق العلمية في العصر الحديث يؤكد مرة أخرى أن القرآن الكريم هو كتاب هداية وإعجاز علمي يفوق كل التوقعات البشرية.

من هنا، يمكننا أن ندرك مدى عظمة هذا الكتاب العزيز، وكيف أنه يحتوي على علوم ومعارف لم تكن معروفة في زمن نزوله. وكلما تقدم العلم، كلما ازداد تأكيدًا على الحقائق التي وردت في القرآن الكريم، مما يعزز إيمان المؤمنين ويجذب المتشككين إلى حقيقة هذا الدين العظيم.

 

المثال الثاني: مراحل تكوين الجنين

تعد الآيات القرآنية التي تصف مراحل تكوين الجنين في بطن الأم من أبرز دلائل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. يقول الله تعالى في سورة الزمر: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: 6]. تشير هذه الآية إلى المراحل المختلفة لتكوين الجنين، وكذلك إلى "الظلمات الثلاث" التي تمثل جدار البطن، وجدار الرحم، والكيس الجنيني.

العلم الحديث أثبت أن الجنين يمر بمراحل متعددة تبدأ من النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، وهكذا حتى يكتمل تكوينه. هذه المراحل وُصفت بدقة في القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام، وهو ما أثار إعجاب واستغراب العديد من علماء الأجنة في العصر الحديث. وهذه المراحل كالآتي:

- النطفة: تبدأ حياة الإنسان من نطفة صغيرة، حيث يتم تلقيح البويضة بالحيوان المنوي.

- العلقة: بعد التلقيح، تنغرس البويضة الملقحة في جدار الرحم، وتتحول إلى علقة تشبه العلقة التي تلتصق بالشجر.

- المضغة: تتحول العلقة بعد ذلك إلى مضغة، وهي قطعة من اللحم غير المتمايزة.

- الجنين: تبدأ الأعضاء والأنسجة في التمايز والنمو تدريجيًا حتى يكتمل تكوين الجنين.

هذه المراحل وُصفت بدقة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}*[المؤمنون: 12-14].

البروفسور كيث مور، أحد أبرز علماء الأجنة في العالم، أبدى دهشته من دقة التوصيف القرآني لمراحل تطور الجنين. قال مور: "أذهلتني دقة التقريرات المسجّلة في القرن السابع بعد الميلاد، وذلك قبل تأسيس علم الأجنة. ومع أني كنت على وعي بتاريخ علماء المسلمين العظيم في القرن العاشر، وبعض ما قدّموه في الطب، لم أكن على علم البتة بالحقائق الدينية والمعتقدات الواردة في القرآن والسنة. ومن المهمّ أن يتعلّم الطلبة المسلمون وغيرهم معاني العبارات القرآنية حول تطوّر نشوء الإنسان بناء على المعرفة العلمية المعاصرة"[2].

فكيف يمكن للنبي محمد ﷺ، الذي عاش في جزيرة العرب ولم يكن له أي معرفة بالعلوم الطبية، أن يصف هذه المراحل الدقيقة لتكوين الجنين؟ هذه المعلومات لم تكن معروفة للبشرية في ذلك الوقت، بل اكتشفت فقط في العصر الحديث بفضل التقنيات الطبية المتقدمة.

 

هذا يثبت أن ما جاء به النبي محمد ﷺ ليس من عنده، بل هو وحي من الله تعالى. فهذه الحقائق العلمية الدقيقة التي وُصفت في القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام تشهد بوضوح على أن القرآن هو كلام الله، وأن النبي محمد ﷺ هو رسول مرسل من عند الله، يتلقى الوحي منه.

 

المثال الثالث: البرزخ بين البحرين

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا} [الفرقان: 53]. تتحدث هذه الآية عن ظاهرة "البرزخ" التي تفصل بين المياه العذبة والمالحة. لم تُعرف هذه الظاهرة إلا حديثًا من خلال الدراسات العلمية التي أثبتت وجود حواجز مائية تمنع اختلاط المياه العذبة بالمياه المالحة في البحار والمحيطات.

العلماء اكتشفوا أن هناك منطقة فاصلة، تُسمى "البرزخ"، توجد عند التقاء الأنهار بالبحار، حيث تلتقي المياه العذبة بالمالحة دون أن تختلط تمامًا، وذلك بسبب اختلاف كثافتيهما. هذه المنطقة الفاصلة تمنع التداخل الكامل بين المياه العذبة والمالحة، وتحتفظ كل منها بخصائصها المميزة مثل درجة الحرارة، الملوحة، والكثافة[3].

الدراسات الحديثة في علم المحيطات أكدت أن هناك حواجز مائية تُسمى "برزخ" تفصل بين المياه العذبة والمالحة عند التقاء الأنهار بالبحار. على سبيل المثال، عند التقاء مياه البحر الأبيض المتوسط بمياه المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق، تظل المياه محتفظة بخصائصها المميزة على الرغم من التقائها، حيث تكون المياه المتوسطية أكثر دفئًا وملوحة وأقل كثافة من مياه المحيط الأطلسي[4].

هذا الاكتشاف العلمي الحديث يثبت أن ما جاء به النبي محمد ﷺ في القرآن الكريم هو وحي من عند الله تعالى. أن تكون هذه الحقيقة العلمية موجودة في القرآن قبل أكثر من 1400 عام هو دليل واضح على إعجازه وأنه كلام الله الحق.

 

خاتمة:

إن الأمثلة التي استعرضناها في هذا المقال تبرز بشكل جلي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. من أمواج البحر وظلماته إلى مراحل تكوين الجنين وحتى البرزخ بين البحرين، نجد دقة علمية مذهلة تتوافق مع أحدث الاكتشافات العلمية. هذه الحقائق التي لم تكن معروفة للبشرية في زمن نزول القرآن تثبت بوضوح أنه وحي من عند الله تعالى، وليس من تأليف البشر. إن هذا الإعجاز العلمي لا يقتصر فقط على إثبات نبوة محمد ﷺ، بل يدعونا أيضًا إلى التأمل في عظمة الخالق والتوجّه لعبادته وحده.

ولذلك، ينبغي على كل باحث عن الحق أن يتأمل في هذه الآيات ويقرأ القرآن بعين مفتوحة وقلب متدبر، ليجد فيه الهداية والنور واليقين بأن هذا الكتاب هو كلام الله المنزل على رسوله محمد ﷺ، الذي أُرسل رحمة للعالمين، هاديًا ومبشرًا ونذيرًا.

 

 

 

[1] https://www.telegraph.co.uk/news/earth/earthnews/3318477/Deep-ocean-waves-discovered-by-scientists.html

[2] Science and Islam (163)

[3] انظر كتاب:  Principles of Oceanography (92  - 93)

[4] انظر المصدر السابق (93).